شرح الحديث الرابع من أحاديث الأربعين النووية


شرح الحديث الرابع من أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى




وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق والصدوق: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) رواه البخاري ومسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع: عن أبي عبد الرحمن وجرى على عادته في ذكر الكنية والكنى مما ينبغي أن يهتم به طالب العلم؛ لأنه يأتي في بعض الأسانيد الكنية مقتصر عليه عن أبي عبد الرحمن مثلاً، فإذا عرفت أن كنية ابن مسعود هذه، أو كنية ابن عمر، أو كنية ابن عباس، أو كنية فلان أو علان سهل عليك تمييز المهمل، والعلماء ألفوا في الكنى كتباً كثيرة لابن عبد البر كتاب: "الاستغناء في معرفة المشهورين بالكنى" في ثلاث مجلدات، هناك كتب أخرى" "الكنى والأسماء" للدولابي وغيرهم، المقصود أن هذا محل عناية لأهل العلم، وعلى طالب العلم أن يعنى به ويهتم به؛ لأن هذه الكنى قد تأتي من غير ذكر للاسم، فإذا جاء الخبر عن أبي عبد الرحمن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنت إذا كانت تعرف من الصحابة من كنى بأبي عبد الرحمن ضاق الأمر عليك جداً، يعني تبحث بين هل هو من حديث ابن عمر أو حديث ابن مسعود؟ وقد تأتي هذه الكنية في أثناء الإسناد، الطبقة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، فإذا عرفت من يكنى بهذه الكنية لا شك أنه يسهل عليك الأمر؛ لأن البحث يكون متردداً بين أشخاص معدودين، ومن الرواة من اشتهر بكنيته حتى ضاع اسمه، الآن الخلاف في اسم أبي هريرة على أكثر من ثلاثين قولاً!! سببه شهرته بالكنية، وقد تكون الشهرة بالاسم حتى تضيع الكنية، قتادة مثلاً اختلف في كنيته لكن المرجح أنه كنيته.
طالب ................
أبو الخطاب، نعم أبو الخطاب من الرواة من ضاع اسمه، ولا يعرف لشهرته بالكنية حتى قال بعض المترجمين: أن اسمه كنيته أبو عبيده ابن عبد الله بن مسعود، اسمه كنيته على ما قالوا، ويختلفون عاد بما قيل في اسمه فمعرفة الكنى من الأهمية بمكان لطالب العلم، وأهل العلم ما قصروا إذا ترجموا ذكروا الخلاف في الكنية، وإذا كان من المشهورين بالكنى ذكروا الخلاف في الاسم، ما تركوا شيئاً، وألفوا كتباً خاصة في الكنى، وفي الألقاب.
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي -ابن أم عبد-، توفي في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، وهو من كبار الصحابة -من جلتهم-، وجاء فيه: ((من أراد أن يقرأ أو من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد))؛ لأنه وجد من بعض الظلمة من كان يضرب من يقرأ بقراءة ابن أم عبد، وقال كلاماً قبيحاً وقال: وددت أن أحك قراءة ابن مسعود ولو بضلع خنزير، هذه محادة نسأل الله العفو والعافية، مجاوزة في الظلم والطغيان، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ يحث ويثنى على قراءة ابن مسعود، وهذا يقول ما يقول، قراءاته التي جعلها أهل العلم من باب التفسير، ليست من باب القراءة هذه يعمل بها على الخلاف بين أهل العلم، هل تعامل معاملة القراءة، أو معاملة الخبر فيحتج بها وإن لم تثبت بها، أو يقال أنها قراءة لكن ليست بمتواترة فيحكم عليها بالشذوذ، ولا يعمل بها مطلقاً؟ المقصود أن الكلام في هذه المسألة معروف، وابن مسعود من الدين بمكان، وجاء في فضائله ومناقبه ما جاء، وهو أيضاً محل عناية من الخلفاء بدأً بأبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وفي الصحيح أن عثمان قال لابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن، ألا نزوجك فتاتي تعيد لك ما مضى من شبابك، العرض وكان عمره سبعين فقال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج))، وأقول في هذا العرض منقبة للطرفين، منقبة للعارض، ومنقبة للمعروض عليه، العارض ما يتردد في كون هذا كبير سن إنما اشتراه واشترى دينه، اشترى الإرث الذي في صدره، والمعروض عليه ما قال فرصة أنا عمره سبعين سنة لو يخطب من الناس كلهم ما زوجوه -هذه فرصة العمر-، فالطرفين كلاهما يدرك حقائق الأمور والله المستعان.
يقول ابن مسعود: "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وحدثنا بالجمع يقولها: من يروي بطريق السماع من لفظ الشيخ مع غيره، ولو كان منفرداً لقال حدثني، أو سمعت إذا كان معه غيره، قال حدثنا: وإذا شك هل معه غيره، وليس معه غيره منهم من يقول: حدثني؛ لأنه هو المتيقن ومن عداه مشكوك فيه، ومنهم من يقول: حدثنا؛ لأن حدثني أقوى عند أهل العلم من حدثنا؛ لأن حدثني تدل على أنه مقصود بالتحديث الكلام موجه إليه، وعلى كل حال هذا بصدد صحابي -رضوان الله عليه- لا يفرق بين أن يقول: حدثني، أو حدثنا، أو سمعت ما في فرق، "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق" في جميع ما يأتي به، سواء كان فيما ينقله عن الله -جل وعلا- من القرءان، أو ما ينطق به على أنه سنة من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وأصله من الله -جل وعلا- فالسنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3-4) سورة النجم]، وصادق وأبو بكر لقب بالصديق، لأنه صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- في أمر لم يشهده -يعني مبالغة في التصديق-، "الصادق المصدوق" الذي صدقه الله -جل وعلا-، وصدقه من سمعه من أهل الإيمان، "الصادق المصدوق".
الصحابي حينما يقول: "حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق" ما الفائدة من قوله: "وهو الصادق المصدوق"؟
نعم.
طالب..............
تأكيد الخبر، وهذا الخبر وإن تضمن ما تضمن مما يخفى على البشر إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- صادق فيه، وفي وقتهم لا يوجد أجهزة تكشف ما في البطن، لا يتلقى مثل هذا إلا من الوحي، ما يمكن يتنبأ أحد ويقول: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بط أمه أربعين يوماً...)) إلى أخره، فهو صادق مصدوق فيما أدركناه، وفيما لم ندركه هو صادق على كل حال، ومصدق في جميع أحواله -عليه الصلاة والسلام-.
((إن أحدكم)) يعني من بني آدم سواء ذكر أو أنثى، مسلم أو كافر(( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة))، ((يجمع خلقه في بطن أمه)) من ما الرجل وما المرأة يجتمع نطفة، مدة أربعين يوماً، ((ثم يكون علقة مثل ذلك))، العلقة: مثل الحشرة الصغيرة التي توجد في الماء أحياناً، ((ثم يكون مضغة مثل ذلك)) بقدر ما يمضغه الإنسان من الطعام أربعون، ثم أربعون، ثم أربعون، المجموع مائة وعشرون يوماً، مائة وعشرون يوماً، بعد المائة والعشرين يوماً أربعة أشهر، ((يرسل إليه الملك)) يعني بعد تمام أربعة أشهر يرسل إليه الملك، قبل الأربعة أشهر هو في عالم الغيب لم يطلع عليه أحد، وهو المراد من قوله -عليه الصلاة والسلام- ((في خمس لا يعلمهن إلا الله)) ثم ذكر آية لقمان {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان] الآن في الآية هي فيها حصر بمعنى أن غيره لا يعلم، الأسلوب ليس فيه حصر وإن كان اقترانها مع بقية الأمور يدل على أنه لا يعلمه إلا الله، لكن الحصر في الحديث في خمس لا يعلمهن إلا الله، قد يقول قائل: الآن الأطباء
بأجهزتهم يعرفون، يعرفون ما في الأرحام، أولاً: معرفة الأطباء ليست دقيقة وليست محققة، فكثير ما يقولون: ذكر ثم يظهر أنثى والعكس.
الأمر الثاني: أنه بعد اطلاع الملك عليه، وإرسال الملك إليه خرج عن دائرة الغيب، لا مانع أن يطلع عليه الأطباء، أما في مرحلة الغيب التي هي الأربعة أشهر هذه لا يمكن أن يطلع عليه، والإخبار عن الحمل في هذه المرحلة لا شك أنه ضرب من ادعاء علم الغيب، ومحاولة لكشف ما ستر عن المخلوق.
((ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح)) ((ينفخ فيه الروح)) إذا تم أربعة أشهر، ولذلك جعلت عدة الوفاة أربعة أشهر وإيش؟ وعشر، وعشر ليالي هذه العشر؛ لأن نفخ الروح ينتج عنه الحركة، قد تكون الحركة ضعيفة في أول يوم وثاني يوم ولا يحس بها، لكن إذا تمت العشرة اليالي لا بد أن يحس بها، وحينئذ نعرف أن هناك حمل، وإذا لم يوجد حمل في هذه المدة فهذه دلالة على براءة الرحم.
أربعة أشهر وعشر إذا نفخ فيه الروح ترتبت عليه أحكامه، ترتبت عليه أحكامه، فإذا سقط بعد نفخ الروح فإنه حينئذ يغسل، يكفن، يصلى عليه، ويدفن، وقبل ذلك لا تترتب عليه أحكام، أحكام الأم تبدأ من التخليق إذا تبين فيه خلق الإنسان، إذا تبين فيه خلق الإنسان مخلّقة وغير مخلّقة.
((ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: بكتب رزقه)) ((رزقه)) المكتوب له، المقدر له من ولادته إلى وفاته، وهو رزق سواء كان من طريق حلال، أو من طريق حرام هو رزق، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن كسب الحرام ليس برزق، على هذا لو أن السُراق سرقوا طفلاً، وأعاشوه من السرقات إلى أن مات هذا ما استوفى من رزقه شيء عند المعتزلة؛ لأن رزق الحرام ليس برزق، وعند أهل السنة هو زرق سواء كان حلالاً أو حراماً هذا المكتوب له، والآثار المترتبة على الحلال والحرام هذه أمور أخرى.
((بكتب رزقه)) الآن رزقه مكتوب، وعليه أن يبذل السبب لأجل تحصيل هذا الرزق، قد يقول قائل: ما دام الرزق مكتوب لماذا أتعب؟ ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له ))، ((ولو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً، وتروح بطاناً)) ما قال كما يرزق الطير تجلس في عشها، ويأتيها رزقها لا تبذل السبب، فالمخلوق المسلم مطالب ببذل السبب، والسماء لا تمطر ذهباً، ولا فضة، وليس في هذا معارضة للكتاب -لكتابة الزرق-، أنت مكتوب عليك أن تسعى، ومكتوب لك أن ترزق، رزقك محدود لن يفوتك شيء منه، لن تموت حتى تستكمل هذا الرزق، لكن مع ذلك ابذل السبب بكتب رزقه وأجله، أجل محدد لا يزيد ولا ينقص {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(61) سورة النحل]، فلان رزقه كذا، وأجله كذا ستون سبعون سنة، خمسون ثلاثون مائة مكتوب مفروغ منه، قد يقول قائل: ما دام أجلي مكتوب، ولن أموت قبل يومي كما يقول الناس، صحيح لن يموت قبل يومه لماذا لا يغامر، ويلقي بنفسه إلى مواضع الهلكة ما دام الأجل مكتوب، كان لمائة سنة ما هو بميت قبل مائة سنة، ولو دخل تحت سيارة؟ ألا يمكن أن يقال مثل هذا، يمكن مثل الزرق، قال: ما دام محدد والله أنا بأجلس بالفراش إلى أن يجي ها المكتوب نقول هذا ليس بصحيح، أنت مأمور بالسعي، مأمور بالسبب والسماء لا تمطر ذهب ولا فضة، والمسبب مرتب على السبب، وأيضاً الأجل مكتوب وحرام عليك أن تلقي بنفسك إلى التهلكة؛ لأن نفسك لا تملكها أنت فعليك أن تبذل أسباب الوقاية، وتدفع أسباب التلف؛ لأن هذه النفس أن مؤتمن عليها، ولن يتغير عما في علم الله شيء سواء فعلت أو لم تفعل، لن يتغير شيء، لكنك أنت مأمور أمر تكليف أن تبذل السبب، وإن كان السبب في أصله حكم وضعي، أمرك به تكليف ووقوعه منك حكم وضعي عشان ما نخلط بين الأمور.
((بكتب رزقه وأجله)) ما دام مكتوب له ستون أو سبعون سنة ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام- ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره -أو في أجله-، فليصل رحمه))؟ قد يقول ما الداعي إلى هذه الصلة، وأنا مكتوب لي ستين سنة، أو سبعين لا تزيد ولا تنقص {فإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(61) سورة النحل] هي أنفاس محدودة، أنفاس محدودة لا تزيد ولا تنقص، وبعض العامة قيل له: هي أنفاس محدودة، قال: سهل بدل ما أنفس نفس متتابعة أكتم يعني -لا أسرع بالنفس-؛ لئلا تنتهي هذه الأنفاس، فقال له أحد الحاضرين: اذهب إلى العناية المركزة، تشوف أللي يكملون الأنفاس بسرعة، سواء تنفس تنفساً طبيعي، أو أسرعت، أو كتمت لا تزيد ولا تنقص؛ لأن بعض الناس يتصور هذه الأمور بمقدوره أن يتصرف فيها، أبداً ما له لا يستطيع أن يتصرف، يعني ما يلاحظ في مواضع العناية المركزة، والإنعاش أناس يتنفسون بسرعة نعم؛ لإكمال هذه الأنفاس، فالإنسان إذا كتم على حد زعمه أنه بدل ما ينفس في الدقيقة عشرة أنفاس، خله ينفس خمسة علشان تطول مدته لا لا ما باليد شيء ما باليد أدنى شيء.
((وأجله)) طيب إذا وصل رحمه زاد ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره أو في أجله فليصل رحمه))، يقول: عمري مكتوب وأنا في بطن أمي، فكيف يعني أصل ما أصل؟ يعني شو دخله ولذا يختلف أهل العلم في المراد بالزيادة وتأخير الأجل، فمنهم من يرى أنها زيادة حقيقة يعني -يكتب له أجل من خلال ما يطلع عليه الملك-، يقال: اكتب له ستين سنة، وفي علم الله -جل وعلا- أنه يصل رحمه ويزاد من أجل ذلك عشر سنوات، فالذي في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، إنما يتغير ما في علم الملك وهذا ما فيه إشكال {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} [(39) سورة الرعد]، ومنهم من يقول: إن الزيادة ليست في عدد السنين، ولا في عدد الأيام، ولا في عدد الأنفاس هذه لا تتغير، لكن البركة، الزيادة معنوية ليست حسية فيكون عمر فلان من الناس أربعون سنة ويصل رحمه، وشخص عاق وقاطع ويعيش مائة سنة، هل في هذا خلف مع هذه الأخبار؟ لا، لكن شوف ها الأربعين السنة هذه ماذا يصنع بها؟ وانظر إلى المائة سنة ما أثرها على صاحبها؟ تجده يعيش مائة سنة كأنه دخل من باب وخرج من باب لا يذكر بشيء البتة، فضلاً عن كونه يذكر بما يذم به، ويعيش عمر بن عبد العزيز أربعين سنة وذكره الطيب إلى قيام الساعة، ويعيش كثير من علماء المسلمين الأربعين بل الثلاثين والخمسين وتجد أثره وذكره إلى أخر سنة، والنفع المتعدي الأمة بكاملها تنتفع من علمه ويتخرجون على كتبه وهو ما عاش إلا ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، لا شك أن هذه الزيادة المعنوية أنفع للواصل من الزيادة الحسية؛ لأن العمر هو عبارة عن هذه الأيام، فماذا عما يوضع في هذه الأيام، -التي هي في الحقيقة خزائن يودع فيها الإنسان ما شاء مما يسوء أو مما يسر- ؟ افترض أن شخصاً عاش مائة سنة، وبعدين السبت الأحد الاثنين، السبت الأحد الاثنين، صيف شتاء، صيف شتاء، ثم بعدين انتهى لا شيء، فالعبرة بمن يستغل هذه الأيام {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [(205-206-207) سورة الشعراء] ما يفيد هذا، ما ينفع، لو عمروا عمر نوح ما يفيد، العبرة بما يودع في هذه الخزائن، العبرة بما يودع في هذه الخزائن، فعلى الإنسان أن يستغل هذه الأوقات، وهذه الأنفاس، التي هي في الحقيقة عبارة عن عمره ونفسه، والله المستعان.
((وأجله، وعمله)) يكتب عمله فقد يكون العمل الذي كتب صالحاً، وقد يكون سيئاً، قد يكون موصلاً إلى مرضات الله وجناته، قد يكون موصلاً إلى سخطه ونيرانه، وقد يعترض معترض ويقول: ما دام مكتوب علي العمل وأنا في بطن أمي فكيف أواخذ عليه؟ -هذا هو قول القدرية النفاة-؛ لأنه إن آخذه وقد كتب عليه هذا ظالم، يكون ظالم له {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت]، إذاً لا يؤاخذ عليه، نقول: يؤاخذ عليه؛ لأن الله -جل وعلا- ركب فيه حرية الاختيار، وهداه النجدين، ودله على ما ينفعه وما يضره، ووضح له وبين له الطريق ومع ذلك اختار ما يضره، وترك ما ينفعه مع أنه لا يوجد ما يمنع من سلوك ما ينفعه؛ لأن هذه الكتابة أمور غيبية، أمور غيبية، أنت ما تدري ويش كتب لك، لكن عليك أن تبذل ما تعرف وما تستطيع.
المطيع لماذا لم يقل مثل العاصي؟ أنا مكتوب علي أنا ويش اعمل، إلا أن هذا اختار ما ينفع وذاك اختار ما يضر، وفي النهاية تكون النتائج على ما كتبه الله -جل وعلا- وقدره، ولم يجبر المخلوق على فعل ما يضره، يعني لو أن إنساناً أحضر سكيناً فقطع أصبعه قال: هذا مكتوب علي، مجبر...، مجبر على هذا، لو يأتي أحد ليقطع ليجرح أصبعك فررت منه، وبذلت جميع الأسباب ما قلت: والله هذا مكتوب علي، فهذه ..... سواء بسواء، فأبذل الأسباب، وسل ربك التثبيت، وتوفق بإذن الله -جل وعلا-.
((وعمله وشقي أو سعيد)) النتيجة، يعني لو دخل مدرس على قاعة درس في أي مرحلة من المراحل، وقال: أنا قررت أن الجهة اليمني أن هؤلاء ناجحون، وهؤلاء راسبون، نقول: هذا مدرس ظالم وإلا غير ظالم؟
نعم ظالم بلا شك لماذا؟ لأنه لا يعرف العواقب، الله -جل وعلا- كتب هؤلاء لأهل الجنة وهؤلاء لأهل النار، هؤلاء سعداء وهؤلاء أشقياء، هل نقول: إنه مثل المدرس الظالم؟ لا، الله -جل وعلا- يعرف ما هم عاملون، العمل الذي يعملونه يعرفه فالنتيجة معروفة سلفاً، هو مثل المخلوق الذي لا يعرف ما في غد، فهذه شقي أو سعيد النتيجة للعمل نتيجة العمل الذي يعمله، لكن باعتبار أن الله -جل وعلا- يعلم ما كان وما يكون، فإنه يعرف النتائج وشقي أو سعيد.
((فوالله الذي لا إله غيره، فوالله الذي لا إله غيره)) يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- ويحلف من غير استحلاف، ويحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، وفي هذا جواز القسم بالله -جل وعلا- على الأمور المهمة؛ لئلا يجعل الله عرضة للأيمن فيقتصر على الأمور المهمة.
((فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة))، ((يعمل بعمل أهل الجنة)) عاش من تكليفه إلى أن بلغ تسعين سنة وهو صوام قوام، متصدق محسن، يكف شره عن الناس ويسدي خيره إليهم، ((ليعمل بعمل أهل الجنة)) مؤدي للفرائض مجتنب للمنهيات، تسعين سنة، مائة سنة ((حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)) ما بقي إلا أن تقبض روحه فيسبق عليه الكتاب؛ لأنه كتب عليه شقي ((فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) وهذا يشمل الخالفة الكبرى بالردة والشرك، وما دونها بالمعاصي والبدع. ((يعمل بعمل أهل النار فيدخل النار)) والله شخص مائة سنة، تسعين سنة، كلها طاعات، ثم في النهاية يختم له بالشقاوة، وفي المقابل وإن أحدكم يعمل بعمل النار سبعين، ثمانين، تسعين سنة سكير عربيد شرير تارك للواجبات، مرتكب للمحرمات يعمل بعمل أهل النار طيلة عمره، هذه المدة الطويلة حتى ما يكون بينه وبين النار إلا قدر ذراع فيسبق عليه الكتاب؛ لأنه كتب سعيد ((فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))، قد يقول: هذا ما في إنصاف، ولا في عدل، ولذا جاءت الراويات الأخرى: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، فيما يبدو للناس، وإن وأحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس))، إذ كان عمله الظاهر عمل أهل الجنة وفي نفسه دخلية وطوية ينطوي عليها قلبه هذه تخونه في آخر الوقت، والعكس قد يعمل العمل الصالح وإن كان يسيراً في عينه أو في عين غيره ثم يدخل به الجنة، امرأة باغية دخلت الجنة في كلب، وامرأة دخلت النار في هرة، أعمال يسيرة لكنها عند الله -جل وعلا- عظيمة، لأنه احتفى بها ما احتف من تعظيم الله -جل وعلا-، أو الاستهانة بأمره، وأذى المخلوقات فمثل هذا سبب من أسباب دخول الجنة، وذلك سبب من أسباب دخول النار.
الحديث المقيد: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس)) حديث ابن مسعود هذا مخيف مخيف، الإنسان لا يأمن ولا يضمن ولو عاش طول عمره، ولو اتفقت ألسنة الناس على مدحه طيلة عمره فلان وفلان، فلان يفعل كذا، وفلان، لا هذا حديث مخيف سوء العاقبة كان السلف يخافونها، ويلهجون بحسن الخاتمة، طيب خفي عليهم حديث: ((فيما يبدو للناس)) ما خفي عليهم، قيدوا المطلق بالمقيد وإلا ما قيدوا؟ لأن الخوف من سواء العاقبة يجب أن يستصحبه كل أحد، واللهج بالدعاء بحسن الخاتمة ينبغي أن يكون ديدن كل مسلم، وكان سلف على الأمة على وجل عظيم من سوء الخاتمة، وما قالوا والله الرسول يقول: فيما يبدو للناس، واحنا لا محنا، نحن هذا ليس وصف لنا، احنا نعمل من قلب وإخلاص، لا هذه تزكية للنفس، هو ما يدريك أن يزل بك قدمك في آخر لحظة، ما تدري أنه يختم لك فسلف هذه الأمة فيما يؤثر عنهم من نصوص كثيرة لم يقولوا بتقييد المطلق هنا، بل صاروا على وجل عظيم وخجل شديد من سوء العاقبة، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم لا سيما من عنده شيء من العلم؛ لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وكثيراً ما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))، فيسأل الله الثبات في كل لحظة من لحظاته، ويسأل الله -جل وعلا- أن يحسن له الخاتمة، وأن يستعمله فيما يرضيه، هو لا يعتمد على مثل الرواية المقيدة، ويزكي نفسه يقول: أنا أعمل مخلص، وظاهري مثل باطني هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن هذا اغترار، وإعجاب بالنفس، إعجاب بالنفس.
والعجب فاحذره إن العجب مجترف
أعمال صاحبه في سيله العرم

فالإنسان مع الإحسان عليه أن يخاف وهذه حال السلف، وابن أبي ملكية يقول: أدركت ثلاثين يعني -من الصحابة- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما يقول أنا صحابي، ما يقول: أنا صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا مضمون، لا، حتى البدري منهم ما يقول هذا الكلام، أدركت ثلاثين كلهم يخاف النفاق على نفسه، فالسعيد من جمع بين حسن العمل وإساءة الظن بنفسه وإحسان الظن بربه {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] خائفة، تقول عائشة: أهم الذين يزنون، أهم الذين يشربون، أهم الذين يسرقون، قال: ((لا، يا ابنة الصديق، هم الذين يصلون ويتصدقون ويصومون ويخافون ألا تقبل منهم عباداتهم))، فعلى الإنسان أن يكون خائفاً وجلاً، لأنه ما يدريه، الإنسان يطمئن أنه يرتاح لهذا العمل، ثم يتحقق فيه يوم القيامة {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] واحد يعلم الناس الخير، وأنت أنه وين مع النبيين والصديقين، وفي النهاية يكون في نفسه ليقال، فيكون من أول من تسعر بهم النار؛ لأن الميزان دقيق يعني هفوة يسيرة في القصد، في الإخلاص، يزل ينتهي -والله المستعان-.
اللهم صلى على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: هل في قول النبي صلى الله -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس ((اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل)) دلالة على أنه أعلم العبادلة الأربعة، وكذلك في إدخال عمر له مع أهل بدر؟
لاشك أن لابن عباس منزلة عظيمة بين الصحابة في العلم والعمل، واستجاب الله -عز وجل- دعوة نبيه في تعليمه الكتاب: ((اللهم علمه الكتاب، وفقه في الدين))، ((اللهم علمه الحكمة)) دعوات استجيبت، وظهرت أثارها في حياة ابن عباس، التي طالت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-عاش بعده ما يقرب من ستين سنة يبلغ الدين، يبلغ ما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويشرح للناس، ويفسر لهم كلام رب العالمين، ويفتيهم، ويبين لهم الحلال والحرام فأثر الدعوة ظاهر، لكن قد يكون أعلم العبادلة من جهة، وغيره أعلم من جهة، وغيره أعلم من جهة، المقصود أن التفضيل لا من جهة لا يقتضي التفضيل المطلق، التفضيل من جهة لا يقتضى التفضيل المطلق، وعمر -رضي الله عنه- كان يدخل ابن عباس وهو صغير السن مع الأشياخ، مع الكبار من الصحابة، مع أهل بدر فوجد الصحابة في أنفسهم؛ لأن لهم أولاد، لهم أولاد في سن ابن عباس، لماذا لا يدخلهم معهم؟ فأراد أن يبين فضل ابن عباس فطرح سؤال عن معنى {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [(1) سورة النصر]، ففسرها كل واحد بما يظهر من معناها، فقال: ما تقول: يا ابن عباس، قال: هذا نعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى نفسه، يعني إذا وجدت هذه الغاية فسبح أكثر من التسبيح والاستغفار؛ لأن المسألة قربت، والرحيل أزف، فهو نعي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال عمر: أنا والله ما أفهم إلا كما يفهم هذا -ابن عباس-.
يقول: إذا دخلت المسجد وأردت أن أشرب قبل تحية المسجد، فهل أشرب وأنا واقف، أم أجلس وأشرب ثم أصلي؟
أولاً: الشرب قائماً جاء النهي عنه والتشديد في أمره حتى جاء ((من شرب قائماً فليق))، ثم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب من زمزم وهو قائم، وشرب من شن معلق وهو قائم، فدل على أن النهي إما منسوخ كما يقول بعض أهل العلم، أو مصروفاً من التحريم إلى الكراهة، وحينئذ لو شرب قائماً أو أدى الركعتين ثم شرب أولى.
يقول: امرأة وجب عليها الحج، ولكن لم يأذن لها زوجها فهل تقضي، أو فهل تمضي في حج فرضيتها؟
نعم، عليها أن تمضي، لكن لا يلزمها أن يحج معها، إذا وجدت محرماً لغيره تمضي في فرضيتها، ولا تلتفت إلى نهيه.
يقول: كيف يجمع طالب العلم بين طلبه للعلم والعبادة والدعوة، خصوصاً في زمن كثرة فيه الحاجة للدعوة بين كثير من طلبة العلم زهدوا في الدعوة، ونشط أهل الباطل في الدعوة إلى باطلهم؟
على كل حال الأصل العلم، العلم، ثم عليه أن يبلغ ما تعلم، وعليه أن يأمر بما يعرفه من معروف، وينهى عما يعرفه من منكر، بالأساليب المجدية المحققة للمصلحة التي لا تترتب عليها المفسدة، وعليه أن يجمع ويضرب من أبواب الخير بسهم في كل مجال، عليه أن يتعلم، يحضر الدروس، ويقرأ في بيته، ويحضر للدروس، وعليه أن يؤدي الصلوات مع الجماعة، وعليه أن يأتي بالرواتب، وعليه أن يجعل له نصيب من قراءة القرءان والأذكار، ويصلى على الأموات، ويزور المرضى، ويزور القبور، ويعين الملهوف، ويصل الرحم عليه أن يضرب من هذه الأبواب بسهم وافر، والعمر يستوعب، العمر يستوعب، العمر فيه بركة لمن أراد أن يستغله.
يقول: ما هي المتون التي يجب على طالب العلم حفظها؟ ميمية الحكمي أين هي هل مطبوعة، وفيما هي؟
أما بالنسبة لما يجب على طالب العلم حفظه، فعليه أن يعنى بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأيضاً ما يعينه على فهم الوحيين من الفنون المعروفة عند أهل العلم، التي فيها رتبة الكتب على طبقات المتعلمين المبتدئين المتوسطين المنتهين وهكذا، على الجادة المعروفة عند أهل العلم، ويأخذ العلم عن أهله الثقات؛ لأن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، ميمية الحكمي في الوصايا والآداب العلمية مطبوعة ضمن المجموع، في شيء اسمه: "المجموع" للشيخ حافظ الحكمي فيه مجموعة متون، فيه السبل السوية، وفيه الأسئلة والأجوبة في العقيدة، وفيه أيضاً القصيدة الميمية، وفيه أيضاً اللؤلؤ المكنون، وفيه نظم أصول الفقه مجموعة للشيخ حافظ، طبع أول ما طبع في حياة المؤلف على نفقة الملك سعود في مطابع الحكومة، ثم طبع مراراً.
بعض العلماء يقول: إن قول: السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة لا يصح راوية عن عمر، ولا رواية من حيث أن قدرة الله -عز وجل- شاملة ومشيئة...؟
هذا هو الأصل، الأصل السنة الكونية جرت بهذا أنها لا تمطر ذهباً ولا فضة، كون هذه السنة تخرق مثلاً لداود -عليه السلام- فيتنزل عليه جراد من ذهب هذا ما فيه إشكال، هذا خرق للسنة الإلهية، أما السنة الإلهية التي لا تتغير ولا تتبدل معروفة، السماء لا تمطر ذهباً ولا كلام صحيح، القدرة الإلهية صالحة لكل شيء، يعني الذي أوجد الأكل عند مريم، وأوجده أيضاً كرامة لبعض أولائه ما في ما يمنع، لكن مع ذلك تبقى السنن الإلهية هي الأصل، والله ما تقول أجلس في المحراب من أجل أن يأتيك رزقك وأنت جالس، الله قادر على ذلك، نعم الله قادر على ذلك، لكن هل عاقل من يجلس في بيته، ويقول: إن الطعام بيجي؟ في النهاية يموت من الجوع، لا لا، وإذا ادعى ذلك فهو اغترار وتزكية لنفسه أنه ممن يستحق هذه الكرامة، فالكلام من حيث هو في الجملة في السنة المطردة الإلهية كلام صحيح -السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة-.
من حيث أن قدرة الله -عز وجل- شاملة، ومشيئته نافذة، ولا يتعاظمه شيء أعطاه لعبده، وقد يرزق عبده من حيث لا يحتسب؟
كل هذا الكلام صحيح، لكن ما فيه معارضة ولا مناقضة للسنة الإلهية.
يقول: هل ورد عن الصحابة -رضوان الله عليهم- وعن التابعين أنهم كانوا يجيزون الاستمناء، وبعضهم كان يفعل ذلك، وماذا ننصح من لا يستطيع أن يتخلص من ذلك؟
أولاً: آية سورة المؤمنون والمعارج فيها دلالة ظاهرة فيما استدل به أهل لعلم على تحريم الاستمناء، وحديث: ((فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) أيضاً استدل به أهل العلم على التحريم، ويذكر عن بعض الصحابة، وبعض التابعين أنهم كانوا يأمرون به في المغازي، يعني خشية من الوقوع في المحرم؛ لأن المغازي التحام بين مسلمين وكفار وقد يتعرض الإنسان لفتنة فيحتاج إلى شيء من ذلك، ولا شك أن ارتكاب أخف الضررين هذا إن صح؛ لأنه نقل ولا أدري عن صحته، هذا نقل ولا أدري عن صحته، على كل حال إن صح فباب ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، فلو أن شاباً أو شابة رأى ما يثير شهوته ولم يستطع التغافل عنها، مع أنه يحرم عليه أن يعرض نفسه لمثل هذه الفتن، ما استطاع أن يسكن هذه الشهوة إلا باستخراج المني بهذه الطريقة، فارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، ولا يعني أنه مباح، يعني إذا استعمله فمع التأثم، ويرجى أن يعفو الله عنه؛ لأنه دفع بذلك ما هو أعظم.
يقول: أنتشر في هذا الزمان الاجتماع للعزاء، والتكلف لهذا الاجتماع بالسجاد، والإنارة، والجلوس من قبل المعزين، وشرب القهوة، وتحديد الوقت بثلاث ليالي فقط، السؤال أليس هذا الأمر مخالف للسنة؟
الصحابي يقول: كنا نعد الاجتماع وصنع الطعام، الاجتماع وصنع الطعام من النياحة، يعني إذا اجتمع الأمران فهو نياحة، فالعلة مركبة من أمرين لا تتحقق إلا باجتماعهما، ومن اجتمع من ذوي الميت من أجل بنية التخفيف على المعزي، يعني افترضنا في بلد كبير مثل الرياض، واحد من الأولاد بالشفاء، والثاني بالعلية، والثالث بالنظيم، والرابع بالدخل محدود، لاشك أنهم عليهم مشقة عظيمة من هذه المشاوير الطويلة، لو اجتمعوا في بيت أحدهم فمشايخنا يفتون بجوازه على ألا يصنع الطعام، كونهم يصنع لهم الطعام، كونهم يصنع لهم الطعام، لا يصنعون الطعام وإنما يصنع لهم، فالأصل في ذلك أصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم.
يقول: بماذا يدعى الخلائق يوم القيامة بأسماء آبائهم أو بأمهاتهم؟
هم يدعون بالأسماء التي عرفوا بها في الدنيا، والمسلم يدعى بأحب الأسماء إليه، يدعى بأحب الأسماء إليه، والأصل أن يدعى بما عرف به، واشتهر به، ويدعون أيضا بأئمتهم {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] من قال: إن الإمام جمع أم هذا ليس بصحيح إنما يدعون بالأئمة، وليس المراد بالأئمة الذين يدعى لهم العصمة، ويصرف لهم أنواع العبادة التي لا تصرف إلا لله -جل وعلا-، لا، إنما كل إنسان يتبع إمامه، يبتع إمامه، إن كان على حق أو على باطل.
من قال: إن الناس يدعون بأمهاتهم دون أبائهم استدل بالآية، والإمام معروف ليس المراد به الأم، يستدلون أو يوجهون هذا القول بإظهار تكريم عيسى بن مريم أنه يدعى بأمه، وأيضاً الستر على أولاد الزنا الذين ليس لهم أباء، وكل هذا في مقابل النصوص، ولا يقوى على معارضة النصوص، فالأصل أن يدعى الإنسان بأبيه {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [(5) سورة الأحزاب].
يقول: ذكرتم في الدرس الأول حديث: ((لا تفضلوا الأنبياء بعضهم على بعض))، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، وقلتم أنه يعمل هذا النهي على إذا كان للتنقص من المفضول عليه، فما الحامل على هذا؟ لماذا لا يكون النهي على الحقيقة أي عدم المفاضلة مطلقاً؟
طيب التفضيل جاء في النص القطعي في القرءان {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] ((أنا سيد ولد آدم))، هذا مو بتفضيل، هو أفضل الخلق أجمعين على الإطلاق وبالإجماع، لماذا نحمله على حقيقته؟ على كل حال هذا الكلام ليس بصحيح، التفضيل موجود ومنصوص عليه في النصوص القطعية، ولكن إذا تضمن التفضيل تنقص فإنه يكف عنه؛ لا تفضلوا بين الأنبياء.
يقول: هل استدبار الكعبة جهلاً في طواف الوادع، أو طواف الوداع يؤثر في صحة الطواف أم لا، مع أنه قد مر بي ستة أشهر من أحج؟
لعله يقصد طواف الإفاضة؛ لأنه قال: طواف الوداع، أو طواف الوادع كأنه يقصد طواف الإفاضة، أو طواف الوداع، على كل حال إذا كان الطواف طواف الإفاضة، الذي هو ركن من أركان الحج لا بد من إعادته، ولو مر عليك ستة أشهر.
كيف يتخلص طالب العلم من كثرة النوم؟
عليه أن يعالج، أولاً يعالج نفسه بنفسه، تنشط، يستعمل ما يعينه من وضوء، ومن غسل لوجهه، يغسل النوم من وجهه، ويشرب من المنبهات ما يعينه على الاستيقاظ، المنبهات المباحة مثل: القهوة، والشاهي، وما أشبه ذلك إلا ما يستطيع يعرض نفسه على الأطباء.
وهذا يسأل، عن بعض الكتب وطبعاتها؟
وهذه بينت في أكثر من مناسبة، ولها مناسباتها في الأشرطة وغيرها، وذكر بعضها في بعض المواقع فلا داعي لأن نعيدها.
يقول: نتمنى أن نرى شيخنا في قناة المجد؟
إن كان القصد تتمنى أن تسمع من العلم ما ينفعك فهو موجود -الدروس الصوتية موجود-، والصورة لا خير فيها.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات :

المرجوا إحترام حقوق صاحب المدونة © 2013 مدونة الجامع |