بناء الكعبة

 سبب بنيان قريش للكعبة
قال ابن إسحاق : فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة ، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها " - ص 193 -" وإنما كانت رضما فوق القامة ، فأرادوا رفعها وتسقيفها ، وذلك أن نفرا سرقوا كنزا للكعبة ، وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة ، وكان الذي وجد عنده الكنز دويكا مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة .
قال ابن هشام : فقطعت قريش يده . وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك . وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم ، فتحطمت ، فأخذوا خشبها ، فأعدوه لتسقيفها ، وكان بمكة رجل قبطي نجار ، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها . وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم ، فتتشرق على جدار الكعبة ، وكانت مما يهابون ، وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها ، وكانوا يهابونها . فبينا هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة ، كما كانت تصنع ، بعث الله إليها طائرا فاختطفها ، فذهب بها ؛ فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا ، عندنا عامل رفيق ، وعندنا خشب ، وقد كفانا الله الحية .

 ما حدث لأبي وهب عند بناء قريش الكعبة
فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها ، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم - قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم - فتناول من الكعبة حجرا ، فوثب من يده ، حتى رجع إلى موضعه ، فقال : يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لا يدخل فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس .
والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .
قال ابن إسحاق : وقد حدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي : أنه رأى ابنا لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو يطوف بالبيت ، فسأل عنه ، فقيل : هذا ابن لجعدة بن هبيرة ، فقال عبد الله بن صفوان : عند ذلك جد هذا ، يعني أبا وهب ، الذي أخذ حجرا من الكعبة حين أجمعت قريش لهدمها فوثب من يده ، حتى رجع إلى موضعه ، فقال عند ذلك : يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لا تدخلوا فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس .
تجزئة الكعبة بين قريش ، ونصيب كل فريق منها
 ثم إن قريشا جزأت الكعبة ، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة ، وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم ، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم ، ابني عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي ، ولبني أسد بن العزى بن قصي ، ولبني عدي بن كعب بن لؤي ، وهو الحطيم . 
  الوليد بن المغيرة وهدم الكعبة ، وما وجدوه تحت الهدم
 ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه ، فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول ، ثم قام عليها ، وهو يقول : اللهم لم ترع - قال ابن هشام : ويقال : لم نزغ - اللهم إنا لا نريد إلا الخير . ثم هدم من ناحية الركنين ، فتربص الناس تلك الليلة ، وقالوا : ننظر ، فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت ، وإن لم يصبه شيء ، فقد رضي الله صنعنا ، فهدمنا . فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله ، فهدم وهدم الناس معه ، حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس ، أساس إبراهيم عليه السلام ، أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنمة آخذ بعضها بعضا .
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض من يروي الحديث : أن رجلا من قريش ، " - ص 196 -" ممن كان يهدمها ، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما ، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها ، فانتهوا عن ذلك الأساس .

قال ابن إسحاق : وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية ، فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود ، فإذا هو : أنا الله ذو بكة ، خلقتها يوم خلقت السموات والأرض ، وصورت الشمس والقمر ، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، لا تزول حتى يزول أخشباها ، مبارك لأهلها في الماء واللبن .


قال ابن هشام : أخشباها : جبلاها .
قال ابن إسحاق : وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه : مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، لا يحلها أول من أهلها .
قال ابن إسحاق : وزعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجرا في الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، إن كان ما ذكر حقا ، مكتوبا فيه : من يزرع خيرا يحصد غبطة ، ومن يزرع شرا يحصد ندامة . تعملون السيئات ، وتجزون الحسنات أجل ، كما لا يجتنى من الشوك العنب . 

  اختلاف قريش فيمن يضع الحجر ولعقة الدم
 قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن ، فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوزوا وتحالفوا ، وأعدوا للقتال ، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي " - ص 197 -" بن كعب بن لؤي على الموت ، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة ، فسموا لعقة الدم . فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد ، وتشاوروا وتناصفوا . 
 إشارة أبي أمية بتحكيم أول داخل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
 فزعم بعض أهل الرواية : أ ن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكان عائذ أسن قريش كلها ؛ قال : يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، ففعلوا . فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ؛ فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر ، قال صلى الله عليه وسلم : هلم إلي ثوبا ، فأتي به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا : حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه هو بيده ، ثم بنى عليه . 
 

ليست هناك تعليقات :

المرجوا إحترام حقوق صاحب المدونة © 2013 مدونة الجامع |