أحكام الطهارة


بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد ،
وبعد، فإن معرفة أحكام الطهارة من وضوء وغسل وإزالة النجاسة وتطبيقها على الوجه الصحيح من أعظم مهمات أمور الدين، وذلك لأنه يترتب على الإِخلال بها وعدم صحتها عدم صحة الصلاة التي عظم الله تبارك وتعالى أمرها. فهي أي الطهارة مفتاح الصلاة فمن أهمل طهارته أهمل صلاته. انطلاقًا من هذا فإننا نضع بين أيديكم ما يحتاجه المسلم لأداء طهارته على مذهب الإِمام الشافعي رضي الله عنه، راجين من الله أن ينفع به وحسن الختام وجزيل الثواب.

أقسام المياه
المياه أقسام : منها ما يصح التطهّر به ومنها ما لا يصح، وهي:
- ماء طاهر مطهِّر: أي طاهر بنفسه مطهِّر لغيره أي يرفع الحدث ويزيل النجس وهو الماء المطلق أي الذي يصحُّ إطلاق اسم الماء عليه بلا قيد كماء السماء، وماء البحر، وماء النهر، وماء العين، وماء الثلج، وماء البَرَد، وأمّا الماءُ المقيّد فهو كماء الورد وماء الزهر فإنه لا يصلح للتطهير.
- وماء طاهر غير مطهِّر : أي طاهر بنفسه غير مطهِّر لغيره أي لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس وهو :
الماء المستعمل : وهو الذي استعمل في ما لا بُدّ منه في الوضوء والغُسل أو استعمل في إزالة نجس إذا طهر المحل ولم يتغيّر؛ فإن لم يطهر المحل أو تغيّر بالنجاسة فهو نجس.
فصل في النجاسات
الدم نجس، وكذلك القيح، وماء الجرح المتغير، والقىء، والخمر، والبول، والغائط، والمذي وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند ثوران الشهوة، والودي وهو ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول أو عند حمل شىء ثقيل، والكلب والخنزير، والميتة وعظمها وشعرها سوى ميتة السمك والجراد والآدميّ.
والمنفصل من الحيّ حكمه حكم ميتته، ويستثنى شعر المأكول وصوفه وريشه وريقه وعرقه، وكذلك ريق وعرق الحيوان غير المأكول إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما. فشعر الهرّة المنفصل عنها نجس، وصوف الضأن المنفصل عنه وهو حي طاهر، وأما إذا انفصلت عنه يده وهو حيّ فهي نجسة.
والحيوان كله طاهر إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما.
والنجاسة إما حكمية وإما عينية :
أما النجاسة الحكمية فهي التي زالت عينها وأوصافها فيطهر المحل بجري الماء عليه.
وأمّا النجاسة العينية فإن كانت بول طفل عمره أقل من حولين لم يأكل سوى حليب أمه فيطهر المحل برش الماء على المكان الذي أصابته النجاسة حتى يعمّ المحل ويغمره وإن لم يسل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " يُغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام " رواه أبو داود. وأمّا البنت فبولها كبول الكبير وإن صغرت. وإن كانت بول ءادمي غير الطفل الذكر فيطهر المحل بإزالة عينها وطعمها ولونها وريحها بالماء المطهر. ويسنُّ التثليث في إزالة النجاسة، وإذا عسر زوال اللون وحده أو الريح وحده عفي عنه.
وإن كانت النجاسة بول أو روث أو ريق كلبٍ أو خنزير فيطهر المحل بغسله سبع مرات إحداهن ممزوجة بتراب طهور أو موضوع عليها التراب الطهور هذا عند إزالة جرمها وذلك بأن يوضع في إحدى الغسلات السبع تراب يكدّر الماء تكديرًا أو يوضع التراب على موضع النجاسة بعد إزالة جرمها ثم يصب الماء فوقه وذلك بعد إزالة عين النجاسة فما لم تزل عين النجاسة لا يعتبر التعدد فالمزيلة للعين غسلة واحدة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرّات إحداهن بالتراب " رواه مسلم.
ولا يطهر من نجس العين شىء إلا الخمرة إذا تخللت بنفسها، فإن خللت بطرح شىء فيها كالخبز فلا تطهر، وجلد الميتة إذا دبغ. وأما شعر الميتة فلا يطهر.

فصل في الاستنجاء
يجب الاستنجاء من كل رطب خارج من السبيلين إلا المني، سواء كان معتادًا كالبول والغائط، أو غير معتاد كالمذي والودي، فلو خرج الغائط يابسًا فلم يلوّث المخرج فلا يجب الاستنجاء منه. وأمّا البول فالتحرز منه أمره مهم وذلك لأن التلوث به أكثر ما يكون سببًا لعذاب القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استنزهوا من البول فإن عامّة عذاب القبر منه" رواه الترمذيّ.
والاستنزاه من البول هو تجنّب التلوث به، والتلوث بالبول من الكبائر.
ويسنّ الاستبراء وهو إخراج بقية البول بعد انقطاعه بحيث لا يخشى نزوله بتنحنح ونحوه.
والاستنجاء يكون بالماء الطَّهور، أي الطاهر المطهِّر، أو بالأحجار إما بثلاثة أحجار وإما بحجر واحد له ثلاثة أطراف، وفي حكم الحجر كل قالع طاهر جامد غير محترم كمنديلٍ من ورق مثلًا، والقالع هو الذي يقلع النجاسة فلا يصلح الزجاج، والمحترم كأوراق العلوم الشرعية والخبز فلا يجوز الاستنجاء به. ولا بدّ أن يمسح ثلاث مسحات فأكثر إلى أن ينقى المحل، فإن لم ينق بثلاث زاد رابعةً فإن أنقى بها زاد خامسةً ندبًا ليكون العدد وترًا.
والأفضل في الاستنجاء أن يستنجي بالأحجار أوَّلا ثم يتبعها بالماء، ويجوز أن يقتصر على الماء أو على الأحجار ولكن الماء أفضل. وما يفعله بعض الناس من أنّهم يضعون الماء في كفّ يدهم ثم يدلكون بها محل خروج النجاسة فهذا قبيح لا يصلح للاستنجاء.
ومن أراد الاستنجاء من الغائط بالماء يسكب الماء مع وضع اليد على مخرج الغائط ويدلك حتى يذهب الخارج عينه وأثره.
ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو بغائط إلا إذا كان أمامه شىء مرتفع ثلثي ذراع فأكثر ولا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع، وهذا في البرِّية، أما في المكان المعدّ لقضاء الحاجة فليس حرامًا استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط.
ويكره البول والغائط تحت الشجرة المثمرة ولو في غير وقت الثمر لئلا تقع الثمار على النجاسة فتتنجس فتعافها الأنفس، أمّا إن كانت لغيره فحرام إلا بإذن صاحبها.
ويكره البول في الطريق والظل لأنه يسبب اللعنة لفاعله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اتّقوا اللعانَين"، قالوا : وما اللعانان يا رسول الله، قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم" رواه مسلم. ومواضع الشمس في الشتاء كمواضع الظل في الصيف.
ويتجنب البول والغائط في الثقب وهو الشق المستدير النازل في الأرض إن كان صغيرًا أو كبيرًا لأنه قد يكون مأوى الهوامّ أو مأوى الجن.
ولا يتكلم عند خروج البول والغائط فإنّ ذلك مكروه.
ويحرم البول في المسجد ولو في إناء.
ولا يدخل معه إلى بيت الخلاء ما كتب فيه ذكر الله أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويسنّ للداخل أن يستعيذ بالله فيقول: "بسم الله اللهمّ إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث"، أي من ذكور الشياطين وإناثهم.
ويُسنّ أن يدخل برجله اليُسرى ويخرج برجله اليمنى بعكس المسجد، ويقول بعد خروجه: "غفرانك، الحمدُ لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني".

ليست هناك تعليقات :

المرجوا إحترام حقوق صاحب المدونة © 2013 مدونة الجامع |